logo logo
  • تاریخ انتشار:‌ 1393/11/02 - 12:00 ق.ظ
  • چاپ
إلى جميع الشباب في أوروبا وأمريكا الشمالية

إلى جمیع الشباب فی أوروبا وأمریكا الشمالیة

بسم الله الرحمن الرحیم إن الأحداث الأخیرة فی فرنسا وما شابهها فی بعض الدول الغربیة أقنعتنی أن أتحدّث إلیكم مباشرة. أتحدّث إلیكم أیّها الأعزة دون أن اتجاهل دور والدیكم، لأنی أرى مستقبل شعبكم وأرضكم بأیدیكم، وأرى أن الإحساس بضرورة معرفة الحقیقة فی قلوبكم أكثر حیویة ووعیاً. وكذلك فإنی لا أخاطب الساسة والمسؤولین عندكم لأنی أتصور أنهم بعلمٍ ودرایةٍ منهم فصلوا درب السیاسة عن مسار الصدق والحقیقة.

حدیثی معكم عن الإسلام وبصورةٍ خاصةٍ عن الصورة التی یعرضونها عن الإسلام لكم.

قبل عقدین وإلى یومنا هذا، ای بعد انهیار الإتحاد السوفیتی تقریباً جرت محاولات كثیرة لإعطاء هذا الدین العظیم موقع العداء المخیف. وللأسف إن عملیة إثارة مشاعر الرعب والفزع والنفور واستغلالها لها ماضٍ طویلٍ فی التاریخ السیاسی للغرب.
لا أرید هنا أن أتعرض إلى ما یثیرون من أنواع الرعب فی قلوب الشعوب الغربیة وعند استعراضكم العابر للدراسات التاریخیة والنقدیة المعاصرة ستجدون كیف تؤنب الكتابات التاریخیة الأعمال الكاذبة والمزیِّفة للدول الغربیة تجاه سائر الشعوب والثقافات. إن تاریخ أوروبا وأمریكا یطأطئ رأسه خجلاً أمام سلوكه الإسترقاقی والإستعماری وظلمه تجاه الملوّنین وغیر المسیحیین. ثم انّ المؤرخین والباحثین لدیكم عندما یمرون على عملیات سفك الدماء باسم الدین بین البروتستان والكاثولیك أو باسم القومیة والوطنیة إبان الحربین العالمیین الأولى والثانیة یشعرون بالمرارة والإنحطاط.
وهذا بحد ذاته یدعو الى التقدیر؛ ولست استهدف من خلال استعادة قسم من هذه القائمة الطویلة جَلد التاریخ ولكنی أرید منكم أن تسألوا كل مثقفیكم ونخبكم لماذا لا یستقیظ الوجدان العام فی الغرب دائما إلا مع تأخیر عشرات السنین وربما المئات من السنین؟ ولماذا كانت عملیة النظر فی الوجدان العام تتّجه نحو الماضی البعید وتهمل الأحداث المعاصرة؟
لماذا نجدهم فی موضوع مهم من قبیل أسلوب التعاطی مع الثقافة والفكر الإسلامی یمنعون من تكوّن وعی عام لدیكم؟
أنتم تعلمون جیداً أن التحقیر و إیجاد حالة النفور والرهاب الموهوم من الآخرین تشكل أرضیة مشتركة لكل تلك الإستغلالات الظالمة. أرید الآن أن تسألوا أنفسكم لماذا استهدفت سیاسة نشر الرعب والنفور القدیمة الإسلام والمسلمین بقوة وبشكل لا سابقة لها؟ لماذا یتّجه نظام القوة والسلطة فی عالمنا الیوم نحو تهمیش الفكر الإسلامی وجرّه الى حالة الإنفعال؟
هل هناك مفاهیم وقیم فی الإسلام تزاحم برامج ومشاریع القوى الكبرى وما هی المنافع التی تتوخاها هذه القوى من وراء طرح صورة مشوّهة وخاطئة عن الإسلام. ولهذا فإن طلبی الأوّل منكم أن تتساءلوا وتتحروا عن عوامل هذا التعتیم الواسع ضد الإسلام.
الأمر الثانی الذی أطلبه منكم أن تقوموا كردِّ فعلٍ لسیل الإتهامات والتصورات المسبقة والإعلام السلبی وأن تسعوا لتكوین معرفة مباشرة ودونما واسطة عن هذا الدین. إن المنطق السلیم یقتضی أن تدركوا حقیقة الأمور التی یسعون لإبعادكم عنها وتخویفكم منها فما هی وما هی أبعادها وحقیقتها؟
أنا لا أصرّ علیكم أن تقبلوا رؤیتی أو أیة رؤیة أخرى عن الإسلام، لكنی أدعوكم ألّا تسمحوا أن یستفید هؤلاء من الإدعاءات المرائیة للإرهابیین العملاء لهم وتقدیمهم لكم بإعتبارهم مندوبی الإسلام. علیكم أن تعرفوا الإسلام من مصادره الأصیلة ومنابعه الأولى. تعرّفوا على الإسلام عبر القرآن الكریم وسیرة الرسول الأعظم (صلّى الله علیه وآله وسلّم). وأودّ هنا أن أتساءل: هل راجعتم قرآن المسلمین مباشرة؟ هل طالعتم أقوال رسول الإسلام(صلّى الله علیه وآله وسلّم) وتعالیمه الإنسانیة والأخلاقیة؟ هل اطلعتم على رسالة الإسلام من مصدر آخر غیر الإعلام؟ هل سألتم أنفسكم كیف استطاع الإسلام ووفق أیة قیم طوال قرون متمادیة أن یقیم أكبر حضارة علمیة وفكریة فی العالم وأن یربی أفضل العلماء والمفكرین؟
أطالبكم ألّا تسمحوا لهم بوضع سدّ عاطفی واحساسی منیع بینكم و بین الواقع عبر رسم صورة سخیفة كاذبة عن الإسلام لیسلبوا منكم إمكانیة الحكم الموضوعی. والیوم حیث نرى أن أجهزة التواصل اخترقت الحدود الجغرافیة، علیكم ألّا تسمحوا لهم أن یحاصروكم فی الحدود الذهنیة المصطنعة، وإن كان من غیر الممكن لأی أحد أن یملأ الفراغات المستحدثة بشكل فردی ولكن كلاً منكم یستطیع هادئاً لتوعیة نفسه وبیئته أن یقیم جسراً من الفكر والإنصاف على هذه الفراغات.
إن هذا التحدی المبرمج من قبل لنوع العلاقة بین الإسلام وبینكم أنتم الشباب أمر مؤلم، لكن بإمكانه أن یثیر تساؤلات جدیدة فی ذهنكم الوقاد والباحث.
إن سعیكم لمعرفة الأجوبة على هذه التساؤلات یشكل فرصة سانحة لكشف الحقائق الجدیدة أمامكم، وعلیه یجب أن لا تفوتوا هذه الفرصة للوصول الى الفهم الصحیح ودرك الواقع دون حكم مسبق؛ ولعلّه من آثار تحملّكم هذه المسؤولیة تجاه الواقع، أن تقوم الأجیال الآتیة بتقییم هذه الفترة من تاریخ التعامل الغربی مع الإسلام، بألمٍ أقل زخماً ووجدانٍ أكثر اطمئناناً.

مطالب مشابه