وقد بقی المتحف الإسلامی الذی كان عبارة عن مصلى، جزءاً من الزاویة الفخریة المهدمة التی لم یبق منها إلا مئذنتها والمتحف.
وقد تأسس هذا المتحف بأمر من المجلس الإسلامی الأعلى فی فلسطین عام 1923، وهو بذلك یعتبر أول متحف تأسس بفلسطین واتخذ المتحف الرباط المنصوری الذی یعود تاریخ إنشائه إلى الملك المنصور قلاوون(681-1282)، مقراً له عند تأسیسه.
وفی عام 1929 تم نقله إلى داخل الحرم الشریف، حیث شغل قاعتین تشكلان زاویة قائمة فی الجهة الجنوبیة الغربیة لمنطقة الأقصى.
ومن أهداف تأسیس هذا المتحف: إبراز التراث الإسلامی، وصیانة وعرض مخلفات إعمار المسجد الأقصى وقبة الصخرة، وجعله مركزاً علمیاً للمهتمین بالدراسات الإسلامیة.
وتضم مقتنیات هذا المتحف آثاراً إسلامیةً من زمن الصحابة، والعصور: الأموی، والعباسی، والمملوكی، والعثمانی، والعصر الحدیث؛ فیحتوی على نسخ قرآن نادرة وفریدة بحجمها، تبلغ أطوال صفحاته المترین ونصف؛ وأدوات الطهی للجیش الإسلامی؛ والسیوف وأدوات الحرب، من رماح وأزیاء عسكریة، بما فی ذلك الخوذ، وسیف خالد بن الولید؛ ومن العصر الحدیث الجدید، یوجد ملابس الشهداء الفلسطینیین الذین سقطوا على تراب الأقصى.
وتمثل معروضات المتحف صورة مصغرة عن نتاج الحضارة الإسلامیة عبر القرون الماضیة، كما تعكس ثلاثة أبعاد هی: البعد الزمنی: حیث أن معروضات المتحف تمثل فترة تزید على العشرة قرون؛ ثم البعد الجغرافی أو المكانی: ویتجسد فی عرض مجموعات تغطی أقالیم مختلفة من العالم الإسلامی؛ أما البعد الثالث فیشمل مجالات الفن الإسلامی، كالخط، والزخرفة، والنقوش الحجریة والخشبیة، والنسیج، وآلات الحرب، والنقود.
ویحتوی المتحف على مجموعة مصاحف مكتوبة بخط الید تعود الى فترات مختلفة، وكانت موقوفة على المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة وبعض مساجد فلسطین، وقسم كبیر منها مذهب ومزین برسومات جمیلة.
ومن بین تلك المصاحف ثلاثة مصاحف منها: مصحف نادر كتب بالخط الكوفی، وهو غیر مكتمل الكتابة؛ وهناك مصحف یعرف بالمصحف الكبیر(190 / 110سم) من أوقاف الملك الأشرف برسبای على المسجد الأقصى؛ أما المصحف الثالث، فهو مصحف فرید كتب بالخط العربی، ویضم ثلاثین جزءا، وعلیه زخارف هندسیة ونباتیة. كما یحتوی المتحف على نسخة مغربیة وحیدة من المصحف الشریف فی العالم، ونسخة أخرى تعد من أكبر المصاحف فی العالم حجماً.
وفی المتحف مئات من الوثائق المملوكیة، ومجموعة من الأخشاب المحفورة بنقوش مختلفة ترجع الى الفترة الأمویة، وبقایا منبر صلاح الدین الذی أحرق عام 1969.
أما القطع المعدنیة الموجودة فی المتحف، فتعود إلى فترات مختلفة، وتضم: شمعدانات، ومباخر نحاسیة، وسیوفاً، وخناجر، وقدوراً، وصوانی، وسلطانیات، وأختاماً، وأسلحة تعود معظمها إلى الفترة المملوكیة واستخدمت فی زخرفتها طریقة "التكفیت"؛ بسبب التحریم الإسلامی؛ حیث لجأ الفنانون إلى طریقة التكفیت؛ أی زخرفة المعادن البسیطة وتزیینها بالمعادن، كالبرونز، والحدید، والنحاس الأصفر؛ بإلصاق خیوط من الفضة والنحاس الأحمر، وحتى الذهب، لكی تكتسب رونقا وبهاء؛ غیر أن الفنانین لم یتقیدوا بحذافیر التحریم، ویشهد على هذا مجموعة نادرة من الأدوات الفضیة المزخرفة بمادة سوداء (نییلو) ومحلاة بالكتابات المنمقة، والتی صنعت على ما یبدو للأثریاء وذوی المراكز الهامة، الذین سمحوا لأنفسهم التغاضی عن التقالید الإسلامیة بهذا الشأن.
كما تعرض مجموعة من تیجان الأعمدة الحجریة التی كانت مستخدمة فی المسجد الأقصى.
كذلك یقتنی المتحف مجموعة من القاشانی التی كانت یوما تغطی مثمن قبة الصخرة، وفی عدة فترات تاریخیة؛ ومن هنا یمكن القول أن المتحف یقتنی مجموعة نفیسة من القاشانی تعود لمختلف العصور الإسلامیة.
كما یقتنی المتحف كذلك مجموعة هامة من الزجاجیات، تتألف من قواریر وأباریق وقنادیل وصحون ومكاحل، من أهمها: مشكاة مموهة بالمینا نقلت من الحرم الإبراهیمی بمدینة الخلیل، تعود الى العهد المملوكی، علیها زخارف نباتیة وكتابات، وكتب علیها اسم السلطان المملوكی "المعز الأشرف العالی المولوی، سیف الدین إینال الیوسفی.
یعرض المتحف فی القاعة مجموعة أدوات زجاجیة من إیران خاصة من شیراز القرون 18-19. وهذه الأدوات یكمن سر جمالها فی أشكالها التجریدیة المثیرة، وألوانها الجریئة. وقد صنعت الأدوات الزجاجیة بطریقة النفخ الحر، أو النفخ فی القالب، ثم زخرفت بطرق فنیة تمخضت عن إنتاج أوان ذات أشكال ممیزة.
وتم إعداد المتحف بطریقة تعلیمیة، بحیث یمكن تتبع تطور الفن الإسلامی منذ فجر الإسلام حتى نهایة القرن التاسع عشر؛ وتم ترتیب المعروضات الزجاجیة فیه تبعا للطرق الفنیة التی استخدمت فی زخرفتها.
ویتمیز المتحف بوجود مكتبة أبحاث شاملة لمختلف الفنون والآثار الإسلامیة، وتحتوی على مؤلفات ودراسات فی مواضیع أخرى متعلقة بالإسلام، كالدین، والأدب والجغرافیة؛ وأبحاث حول الفنون الساسانیة، البیزنطیة والقبطیة التی كان لها تأثیر على الفن الإسلامی؛ إلى جانب أرشیف صور وشرائح. ویتمیز المتحف بوجود مختبر للتصویر، یمكن للزائرین الاستفادة منه.
المصدر: وكالة الانباء والمعلومات الفلسطینیة(وفا)