من هو التیجانی
الدكتور محمد التیجانی السماوی مفكر إسلامی تونسی من أشهر المتحولین إلى مذهب التشیّع فی العقود الاخیرة. من موالید1943م من الجنوب التونسی، حائز على دكتوراه فی الفلسفة والتاریخ الاسلامی من جامعة السوربون فی باریس وله مؤلفات عدیدة وصل عددها الى خمسة عشر مؤلّف ابرزها كتاب "ثم اهتدیت".
مال فی بدایة حیاته وفی أول رحلة له الى مكة المكرمة الى عقائد الوهابیة المتشددة، فبذل جهدًا فی نشرها والتبلیغ لها بحیث كان یطوف فی المساجد وینهى الناس عن تقبیل الأضرحة والتمسح بالاخشاب، محاولا جهده– كما یقول هو– فی إقناعهم بأن ذلك شرك بالله. ثم شدّ رحله مرّة اخرى صوب تلك الدیار لأداء العمرة وتجدید العهد مع الوهابیة التی روج لها كثیرا فی أوساط الشباب وفی المساجد، ولكن رحلته من الاسكندریة الى بیروت وعلى متن الباخرة جمعته وأستاذ عراقی من اساتذة جامعة بغداد، وقد استطاع هذا الأستاذ أن یغیر وجهة رحلته من السعودیة الى العراق بل حملته هذه الرحلة إلى أن یغیر مسار حیاته بشكل كلیّ. وعندما وصل العراق التقى بالكثیر من العلماء مما انعكس سلباً على نظرته الى الوهابیة. ولما عاد الى وطنه شرع ببرمجة أفكاره وإعادة النظر فی رؤیته لمدرسة أهل البیت (ع) فكانت ثمرتها الإقلاع عما كان علیه واعتناق المذهب الشیعی.
كتابه ترجم الى 26 لغة عالمیة واحدث ثورة فی العالم العربی والاسلامی، غادر تونس بعد الثورة حیث تلقى تهدیدات بالقتل فانتقل الى طهران ومن ثم الى العراق حیث اقام هناك انه الدكتور محمد التیجانی السماوی المستبصر وصاحب كتاب «ثم اهتدیت»، الذی یرى فی حدیث لوكالة شفقنا ان الفكر الشیعی هو فكر أصیل صحیح بنی على العقیدة, یدخل فی اعماق قلب الانسان ولا یخرج منه، عكس الوهابیة التی بنیت ودخلت بالمال والمال یفنى اما العقیدة لا تفنى ویشیر الى ان بعض هؤلاء لم یقرأوا التاریخ، فلو قرأوا التاریخ لعرفوا الحقیقة ولتوحد المسلمون تحت رایة "لا اله الا الله محمد رسول الله" واهل البیت علیهم السلام.
وكالة شفقنا التقت بالدكتور التیجانی واجرت معه هذه المقابلة:
– بعد مرور زمن على تشیعكم او اهتدائكم كیف تصف لنا هذه المرحلة؟
مر حوالی 46 عاما على استبصاری ولكن هذا الاستبصار لم یتوقف على شخص التیجانی بل اثمر كشجرة طیبة اصلها ثابت وفرعها فی السماء تؤتی أكلها كل حین بإذن ربها، والآن اینما حللت وجدت اناسا سنة وشیعة یشیدون بكتابی "ثم اهتدیت" ویقولون انهم استفادوا كثیرا وهذا الكتاب ترجم الى 26 لغة عالمیة وأحدث ثورة فی العالم العربی والاسلامی، فی افریقیا مثلا هناك أكثر من ثلاثة ملایین مستبصر وفی تركیا اكثر من ثمانیة ملایین من العلویین الذین انقلبوا الى الامامیة الاثنی عشریة، وزرت اخیرا ولایة مالیزیا وكوالالمبور حیث جاء الكثیر من المعجبین من تایلاند، احدهم اتصل بی ویقول عندی 600 شخص فی قریتی استبصروا من وراء هذا الكتاب والفضل لله ان هذا الكتاب اصبح الدعوة الصادقة لأهل البیت علیهم السلام.
اذا الفكر الشیعی هو فكر أصیل صحیح بنی على العقیدة یدخل فی أعماق قلب الانسان ولا یخرج منه عكس الوهابیة التی بنیت بالمال.
– جنابكم ممن ساهمتم فی نشر ثقافة الاسلام وتعالیم اهل البیت، الیوم وبعد نشوب ما سمی بالربیع العربی، ما هی الصعوبات التی تواجهكم فی نشر هذه التعالیم خاصة فی تونس والمغرب العربی ؟
واجهت اعنف المواجهات بعد هذه الثورات حیث اصبح الكثیرون من المستبصرین یخافون على انفسهم وحتى البعض منهم یتستر ویستعمل التقیة الى ابعد حدود لان هناك هجمة شرسة وتهدید بالقتل وارهاب واضح، ففی زمن الرئیس التونسی زین العابدین بن علی كنا احرارا، وكان هناك دولة علمانیة لا یهمها شیعة او سنة بل ما یهمها امن البلاد واستقرارها، والآن لما جاء الى الحكم من یزعمون انهم اسلامیون ولكن فی الاغلب هم سلفیون ووهابیون ویكفرون كل المسلمین، نادوا بقتلنا بعد قتل الشیخ حسن شحاتة فی مصر ومن حسن حظی جاء من اعلمنی، وهذا كان مستبصرا وكان یعمل معهم وحذرنی وطلب منی مغادرة البلاد فی اقرب الاوقات، وبالفعل غادرت خائفا مترقبا وانتقلت الى طهران ثم الى العراق وهناك ای فی العراق اعطونی اقامة، وبعد السقوط الجزئی لحزب النهضة, اصبحت ادخل الى تونس بحذر.
– هل هذا یعنی ان حركة التشیع فی تونس متوقفة؟
لا لیست متوقفة، بالعكس لان كل ممنوع مرغوب ولما تكون الهجمة بهذا الحجم یتساءل الناس لماذا، والناس غالبا ما یخالفون التیار والكثیر من الناس یفهمون الاشیاء باضدادها فیتساءلون على سبیل المثال: لماذا الحكومة السابقة كانت تتسامح مع الشیعة بینما الیوم اصبحوا محارَبین؟ ما الذی تغیر؟ فالناس یتساءلون، اضف الى ذلك ان الكتاب الشیعی كان ممنوعا فی تونس ولا یمكن لای انسان ان یُدخل كتابا شیعیا, حتى فی معرض الكتاب الدولی منعت كتب الشیعة من الدخول الا تفسیر المیزان و مفاتیح الجنان، ثم منع دخول مفاتیح الجنان، فی المرحلة الاخیرة استفدنا من الثورة لناحیة حریة نشر كتبنا، وبالفعل بعثت مكتبة فی تونس لاحد المستبصرین، تبیع كتب الشیعة وفیها كل المذاهب.
الشیعة الموجودون الیوم فی تونس هم مستبصرون مثلی انا. الشهید محمد باقر الصدر (رحمة الله علیه) نصحنی یوما ما وقال لی اعتمد على الكیف ولیس الكم، الكم لا یهم، بل الكیف ای النخبة، فانا بالحق اعتمدت على الطلبة والاساتذة والمهندسین والمفكرین، لذلك الاعداد لم تكن اعداد هائلة تصور من العام 1967 الى الان هناك 200 الف مستبصر.
– هل تمارسون الشعائر الدینیة بشكل علنی ام انكم تتعرضون لمضایقات؟
فی تونس یمارس الشیعة شعائرهم الدینیة فی بیوتهم، لیس لنا حسینیة او مسجد شیعی لانه قطعا ممنوع، فلنا تجربة فی ذلك، هناك مكتبة قاموا بهدمها وحرقها ثلاث مرات، عندما كنت فی الكویت، اقترح "علی بهمن" وقتها ان یبنی حسینیة، حتى لو كلفت 100ملیون دولار، فقلت له "افتح مشروع فی تونس استثماری احسن من مسجد یصلون فیه 50 شیعی فی العاصمة، او فی الجنوب 100 او200 شیعی بعدها تأتی الوهابیة لتحرقه او تفجره فماذا تكون الفائدة منه؟ یعنی هذه الشعائر تقام فی بیوت عائلات المستبصرین، ای على مستوى عائلی ربما ولیس جماعی".
– قلتم فی تصریح سابق "جمیع المذاهب التی طرأت على الاسلام المحمدی هی انحرافات.. " الا تعتقد ان مثل هذا التصریح یؤدی الى تأجیج الصراعات المذهبیة او نقمة من المذاهب الاخرى؟
طبعا ولازلت اقول هذا، "لكل مقام مقال"،عندما كتبت كتبی العلمیة استندت على العقل وعلى النصوص واكثرها عقلیا، لا یوجد هناك مذهب فی الاسلام بل اسلام محمدی اصیل، ای الاسلام الذی جاء به محمد بنصوصه، لكن المذاهب كما قال شرف الدین الموسوی، فی كتابه "المراجعات"، قال این كانت هذه المذاهب فی القرون الثلاث الاولى؟ لم یكون المسلمون یتعبدون بها، فهی طارئة لان اولها واكبرها ابو حنیفة لم یعرف الرسول ولم یعاشره او یجلس معه، هذا ما اقوله دائما وما استدل به. نحن تركنا الاسلام المحمدی الاصیل واتبعنا مذاهب اعتقد بأنها سیاسیة خلقتها رجال السیاسة او الدول التی حكمت الاسلام، كالدولة الامویة والعباسیة والعثمانیة، هم الذین خلقوا هذه المذاهب و زكوها.
خذ مثلا عن المذهب الحنفی، الیوم یعد اكبر المذاهب فی عدة دول منها مصر، تسمع حتى فی المسلسلات والافلام على مذهب ابی حنیفة النعمان فی العقد والطلاق وكل شیء، هذا یذكرنی ان الدولة التركیة – العثمانیة اعتمدت هذا المذهب لا لشیء غیر ان ابو حنیفة یجیز لغیر العرب بالخلافة الاسلامیة، المذاهب الباقیة لا یجیزون ذلك باستنادهم الى قول الرسول (ص) "لا تصلح الخلافة الا فی قریش"،اما مذهب ابی حنیفة یقول "تصلح الخلافة لغیر هؤلاء العرب"، قالوا له ما دلیلك على ذلك؟ قال "قول عمر ابن الخطاب عندما طعن بالخنجر، قال لو كان سالم مولى ابو حذیفة حی لولیته علیكم، وسالم لیس عربی هذا مولى من الموالی، ولیس عربی ولیس قرشی"، لذلك اعتنق الاتراك كلهم مذهب ابو حنیفة، لا ترى تركی الا وهو حنفی وكل الدول التی استعمرتها تركیا مثل تونس أدخلوا علیها المذهب الحنفی، والدولة العثمانیة احتلت ثلاث ارباع العالم، فبذلك انتشر المذهب الحنفی بكل ارجاء العالم، فهذه مذاهب سیاسیة لیست ما یریده الرسول (ص).
– كیف یمكن وصف وضع الشیعة فی العالم؟
نحن اولا نعتمد على الله سبحانه وتعالى فی كلامه "ان بعد العسر یسرا"، والشاعر یقول " اشتدی یا ازمة تنفرجی"، هذه الازمة سحابة صیف وتمر كما یقال ولابد منها، فنحن نستبشر فی ذلك ونقول ان ما یتعرض له آل البیت فی العالم هو تجربة لهم حتى یخرجوا منها بحول الله منتصرین واقویاء. فالله سبحانه وتعالى یبتلی عباده، ونحن مبتلین بهذه الطائفة التی تسمى الدواعش التكفریین، وهی بالحقیقة كلها وهابیة جاء بها ابن تیمیة فی زمانه، وهی تثمر الیوم سموما فی جسد الامة حیث اصبح المسلم یأكل لحم أخیه.
هناك حملات شنیعة تقام ضد الشیعة نتیجة ان الوهابیین لا یقبلون بالتعددیة والفكر الآخر. نأخذ أمثلة: مرة فی تونس قال لی شخص «لیس هناك بلد فیه شیعة الا واضطرب أمنه"، فأجبته "لا تكذب، ففی لیبیا لا یوجد شیعة ولا سنة، مجرد قبائل وعشائر تحارب بعضها بعض. والدلیل الثانی ان فی تونس من العام 1967 الشیعة موجودون، هل رأیتم شیعی یحمل سلاح او یهدد بالارهاب؟؟ لا یوجد.
فنحن لم نسمع بالتفجیر ولا بالانتحار عند شیعی، المنتحرون كلهم من السعودیة ودول الخلیج الفارسی والشیشان، ای الناس الذین یؤمنون بالحركة الوهابیة والذین یعتقدون ان قتل الابریاء سیدخلهم الجنة معتمدین على التزویر وتشویه الحقائق.
– من خلال زیارتكم الى لبنان كیف وجدت وضع الشیعة فی هذا البلد؟
على الشیعة فی لبنان ان یحمدوا ربهم، فعندما اتیت عام 1964 الى لبنان لم یكن للشیعة ذكر ولا ریح ولا هواء، الان اصبح عندهم وجود ونفوذ ومشروع، فهناك فرق كبیر والفضل یعود الى رجال الدین والعلماء والقادة الذین قرأوا وفهموا وعملوا فی سبیل الله.
_ كیف تنظرون الى دور المرجعیات الدینیة ؟
المرجعیات الدینیة هی فی الحقیقة صمام امان للشیعة، مثلا فی العراق ذهبت الى السید السیستانی واخذت معی 4 من علماء تونس واجلستهم امامه، قلت له "سیدنا اشكرك على فتواك التی اصدرتها، ولولا تلك الفتوى لكان بحر من الدماء سیسیل فی العراق، عندما افتیت بأن السنة اخواننا", قال "لم اقل اخواننا"، وأنا اعلم ماذا قال، لكن اردت عنوة من العلماء الجالسین من تونس ان یسمعوا بانفسهم، قلت "سیدنا ماذا قلت؟" قال قلت "هم انفسنا", وزاد امامهم، قلت "من یعتدی على سنی كأنما اعتدى علی شخصیا"، عندها التفتت الیهم وقلت "سمعتم السید ماذا قال؟ لست انا انقل لكم، انتم سمعتم مباشرة منه، كی تعودوا الى تونس وتكذبوا الدعایات الاعلامیة التی تبث بأن السیستانی یقول اهل السنة مخلدین فی النار كذب وبهتانا".
– ما هو مشروع الدكتور التیجانی؟
مشروعی هو الدعوة للاسلام السلمی الذی یدعو للتسامح والحوار ونبذ العنف والاقتتال بین المسلمین، وهذه الدعوة لا تكون بالقوة والحروب بل بالحوار والانفتاح والعقل.
– ما هی الرسالة التی تود ارسالها ؟
رسالتی للمتطرفین فی العالم الاسلامی من خلال وسلیتكم الاعلامیة ان یتركوا هذا الارهاب وهذه الدعوة للقتال لان الاسلام لم یأت لیأمر الناس بقتال بعضهم البعض بل أمر بقتال المعتدین ای الدفاع عن النفس، الرسول (ص) لم یهاجم ابدا انما كانت حروبه كلها دفاع عن النفس "وقاتلوا الذین یقاتلونكم".
خذ مثال عن الفلیبین واندونیسیا، فهم لم یفتحوا بالسیف بل بدعوة صادقة. یعنی على الناس ان یفهموا ان الدعوة یجب ان تكون بالمنطق السلیم وبالتی هی احسن وقبول الغیر فالكل اخوة من آدم وحواء، "یا ایها الناس ان خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله اتقاكم"، فالتعارف یدعو الى الجلوس والحوار، الامر الذی یؤدی الى اضمحلال الحروب مع جمیع الاطراف.
لماذا الاوروبیون اسسوا تجمع لاكثر من 20 دولة، وكل دولة لها عقیدة مختلفة عن الاخرى، اما نحن عقیدتنا واحدة وامة واحدة ونختلف فی كل شیء، وللأسف لا شیء یجمعنا لا مشروع ثقافی ولا استثماری ولا اجتماعی، لذلك أقول لو قرأ العرب التاریخ لعرفوا الحقیقة ولتوحد المسلمون تحت رایة "لا اله الا الله محمد رسول الله" ومودة أهل البیت علیهم السلام".
المصدر: وكالة "شفقنا" + براثا