شنبه 1 اردیبهشت 1403

14 August 2023

آية الله الاراكي :الاعلام الاستكباري لا يسمح للشباب الغربي بالتعرف على حقيقة الاسلام

أجرت مجلة " عصر انديشه " حواراً هاماً مع آية الله الشيخ محسن الأراكي الامين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية ، حاول سماحته من خلاله تسليط الضوء على واقع الاديان في الغرب ، و ابعاد انتصار الثورة الاسلامية الايرانية في هذا المجال ، و أهمية الرسالة التي وجّهها سماحة القائد الامام الخامنئي الى الشباب الغربي ، نستعرض فيما يلي أبرز ما جاء فيه تعميماً للفائدة .


 يرى آية الله الاراكي أن الدين في اوروبا خلال الفترة ما بين القرون الوسطى و العصر الحاضر، كان قد مرّ بثلاث مراحل . المرحلة الاولى تمثلت في كنيسة القرون الوسطى ، حيث كانت الكلمة الفصل للدين في المجتمع الاوروبي و كانت السلطة بيد الكنيسة . كانت الكنيسة تتحكم بمصير المجتمعات ، و ان المشكلات التي ظهرت في اوروبا خلال القرون الوسطى نتيجة لهيمنة سلطة الكنيسة ، كانت وليدة انحراف الكنيسة عن مسار التعاليم الحقيقية للسيد المسيح . ذلك أن تحريف الاديان يقود على الدوام الى بروز دين ممسوخ ، و لا يخفى أن الدين المحرّف إن لم يكن أسوأ من اللادين ، فلن يكون أفضل منه . أن المشكلات التي واجهتها البشرية خلال القرون الوسطى و التي برزت الى واجهة الاحداث نتيجة لحاكمية الكنيسة ، لم تكن ناتجة عن سلطة الدين ، و إنما وليدة حاكمية الدين الممسوخ و المحرّف . و مما يؤسف له أن الغربيين ارتكبوا خطأ فاحشاً خلال عصر النهضة ، حيث حرصوا على المساوات بين الدين و الدين الممسوخ خلال مرحلة القرون الوسطى في كافة المجتمعات البشرية ، و لازالوا يصرون على ذلك الى يومنا هذا .

و يمضي سماحته بالقول : أما المرحلة الثانية فقد تمثلت بالثورة ضد دين الكنيسة ، و التي تجلت بعصر النهضة الذي شكّل انتفاضة عارمة ضد الكنيسة . و في هذه المرحلة تم لفت الانظار الى الكنيسة باعتبارها السبب في تخلف و تأخر اوروبا ، و بالتالي شنّ حملة شرسة ضدها ، حيث اتخذ عامة المفكرين الغربيين مواقف معادية للدين ، لانهم كانوا يعتبرون الدين - للأسف - مساوياً لدين الكنيسة المحرّف خلال القرون الوسطى . و قد تم تعميم هذه الروحية العدائية على مختلف التيارات الدينية .
و يضيف سماحته : أما بالنسبة للمرحلة الثالثة للدين في الغرب ، فكانت قد بدأت منذ النصف الثاني للقرن العشرين ، خاصة بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران . و في هذه المرحلة حصل نوع من العودة الى الدين في مختلف انحاء العالم . و أن السبب الرئيسي لهذه العودة كان يكمن في الانتكاسات التي مني بها المجتمع الغربي نتيجة تمسكه بالنهج العلماني . ففي بداية عصر النهضة اعتبرت العلمانية بمثابة الجنة الموعودة للمجتمع الانساني على الارض . إلا أن الوجه الآخر للعلمانية بدأ يظهر بالتدريج ، خاصة بعد الحرب الكونية الثانية و الهيمنة الاميركية على العالم . و كان من اولى نتائج حاكمية العلمانية في الغرب اندثار المعايير الاخلاقية . حيث انحسرت الاخلاق من المجتمع الانساني بالتدريج ، و إثر غياب المعايير الاخلاقية أخذت تتفاقم مختلف الازمات الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية .

و تابع آية الله الاراكي : و إثر ذلك أخذ المجتمع الغربي يقتنع بالتدريج بأن الجنّة العلمانية المزعومة لم تتحقق ، و أن الفراغ الناجم عن غياب التدين بات واضحاً في المجتمع الغربي ، و بالتالي عودة التوجه الى الدين . و مع انتصار الثورة الاسلامية الذي زلزل العالم ، عاد الدين ليضطلع بدوره الرئيسي في ادارة المجتمع . لقد كان انتصار الثورة الاسلامية بمثابة رفضاً لهيمنة العلمانية على العالم ، لان اميركا و اوروبا اللتين كانتا مهيمنتين على العالم اثناء اندلاع الثورة ، كانتا تؤمنان بالفكر العلماني . و كان هذا الانتصار بمثابة انتصار الدين على العلمانية . بيد أن هذا الدين لم يكن دين الكنيسة . أن احدى السمات الدينية التي لفت الامام الخميني (قدس سرّه ) الانظار اليها هي سمة الاصالة الدينية ، أي الاسلام الاصيل الذي لا يتعارض مع العلمانية فحسب ، و إنما مع الدين الممسوخ و المحرّف ايضاّ . و هذا يعني أن كلاً من تيار الديني المحرف و التيار العلماني ، كانا بمثابة جبهتين معاديتين للثورة و في حرب ضدها . و لهذا فأن توجهاً دينياً جديداً كان قد ظهر للعالم أثناء مرحلة نهضة الامام . و لهذا نجد أن سماحة القائد حاول ، في رسالته الى الشباب في اوروبا و اميركا ، أن يلفت انظارهم الى هذه الحقيقة وهي أن الاسلام الذي حاولت الثورة و الامام تسليط الضوء عليه ، يختلف عن الدين الذي تحاول وسائل الدعاية و الاعلام العلمانية الترويج له و ترسيخه في اذهانهم .

و يضيف سماحته : أن أحدى النقاط التي أرادت رسالة آية الله الخامنئي التأكيد عليها هي أن تقول للشباب : حاولوا التخلص من الصورة التي تروج لها وسائل الاعلام الغربية عن الدين ، لأنها هذه الصورة لا تختلف عن صورة الدين المحرّف الذي عملت الكنيسة على إشاعته و ترويجه وما نتج عن ذلك من مشكلات و ازمات ، و أن الاسلام كان قد واجه نظير هذه الازمات على ايدي الامويين و العباسيين ايضاً ، أي حكم الملوك و الامراء . ذلك أن هذا الدين المحرف و الممسوخ كان قد فرض حكم الملوك على المجتمع الاسلامي في العالم الاسلامي . و أن الثورة الايرانية كانت بمثابة ثورة ضد التيار اللاديني و التيار الديني المنحرف ، و أن هذه الحرب لازالت مستمرة ، و ما زالت الثورة باعتبارها تحركاً شعبياً عظيماً ، في صراع مرير مع هذين التيارين . و نحن نؤمن بأن الثورة في طريقها لتحقيق النصر في هذه المعركة . و ان ما نراه اليوم من استقرار النظام الاسلامي و تصدير الثورة ، يعد بمثابة خطوة كبرى على طريق هذا النصر . و أننا على يقين من انتصار الاسلام الاصيل في النهاية .

كما يؤمن آية الله الاراكي بأن الثورة الاسلامية وجدت لها موطىء قدم داخل المجتمعات الغربية أيضاً . أي أن تياراً جديداً ثالثاً وجد على الصعيد العالمي - حسبما يرى سماحة القائد - تتزعمه في الاعم الاغلب فئة الشباب في اوروبا و اميركا ، و هذا يعني أن شريحة الشباب هذه هي التي تتولى ادارة هذا التحرك الجديد . و لهذا وجّه قائد الثورة خطابه - الرسالة – الى الشباب ، لأنهم يتطلعون الى توجّه ديني جديد يكون منزهاً من عيوب الدين المحرف للكنيسة من جهة ، و أن يكون دين حياة في الوقت نفسه . و عليه فأن التحرك الجديد هذا لا يتناغم مع العلمانية من جهة ، و لا ينسجم مع الكنيسة أيضاً . و من الواضح أن ادارة المراحل المتقدمة للتيار الديني الثالث التي يتصدى لها الشباب ، بحاجة الى زعامة دينية . و أن سماحة القائد ، و من خلال اصداره لهذه الرسالة ، قد وسّع من دائرة نفوذه كقائد و زعيم للامة الايرانية و بات زعيماً معنوياً عاماً .

و يتابع الامين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية : أننا لا نلزم أحداً بإتباع توجهات قائدنا في الجانب السياسي ، بل و لا نسعى لان تتخلى الدول الأخرى عن انظمتها السياسية و تتبع الامة الايرانية . لا شك في أن سماحة القائد باعتباره فقيهاً ضليعاً ، لا يوجد من يجاريه اليوم . و لكن ما نؤمن به هو أنه ينبغي للحكومات أن تستمد شرعيتها من آراء الشعب ، و ينبغي للانظمة السياسية مراعاة القيم و المبادىء الالهية التي تتطابق في الغالب مع القيم الانسانية . و إذا أردنا البحث عن مرجع للتعريف بالمبادىء و القيم الالهية ، فأن " الاسلام الاصيل " يعتبر أحد أفضل هذه المراجع ، الاسلام الذي يعتبر سماحة القائد آية الله الخامنئي خير المفسرين له .
و في جانب آخر من حواره يقول آية الله الاراكي : يجب أن نعلم ماذا تعني دعوة سماحة القائد للشباب الغربي للتعرف على الاسلام بشكل مباشر و من دون وسيط ؟ هل تعني تحصيل المعرفة دون الحاجة الى الفقيه ؟ هل يستطيع الشباب الغربي أن يعي المفاهيم القرآنية بمجرد الرجوع المباشر الى القرآن ؟ للاجابة عن كل ذلك لابد من القول ، أن هناك فئتين من المفاهيم في القرآن . هناك فئة من معارف القرآن ، التي يطلق عليها في المصطلح الفقهي بالمعارف اليقينية ، من الضروري و البديهي الاحاطة بها و تعدّ من ضروريات الدين . و يعتقد فقهاؤنا بأن الاحاطة بهذه البديهيات ليست بحاجة الى التقليد اصلاً .أي أن الشخص لا يقلد في ضروريات الدين . الجميع مكلفون بالتعرف على هذه البديهيات من القرآن بصورة مباشرة ، لأنها بديهية و ضرورية و لا تحتاج الى تدخل خبير في الدين .

و يضيف آية الله الاراكي : أن دعوة سماحة القائد للشباب في الغرب للتعرف على حقيقة الاسلام بصورة مباشرة و من دون وسيط ، خاصة بالنسبة لأصول الاسلام و مبادئه العامة ، تتمحور حول الفئة الاولى من المفاهيم الاسلامية . فإذا ما عاد الشباب الى القرآن ، فأن نفس هذه المبادىء و الاصول القرآنية الواضحة سوف ترشدهم الى مراجعة الخبير في معرفة التفاصيل و التفاسير .
و يوضح آية الله الاراكي : القرآن الكريم يدلنا على أن الحياة الدنيا حياة زائلة و فانية ، و ان الله تعالى خلق الانسان لحياة أسمى و خالدة . كذلك يحذرنا من الشيطان الذي يحاول خداعنا للوقوع في فخ هذه الحياة الزائلة . على سبيل المثال أن الله تعالى يدعو الانسان الى العدل ، غير أن توضيح مفهوم العدل بحاجة الى خبير . و هذا ما كان يقصده سماحة القائد من مخاطبته للشباب بما فيهم شبابنا . فإذا ما عاد الشباب الغربي الى القرآن ، سوف يدرك حجم الدسائس التي فرضها العالم الغربي و الانظمة الرأسمالية على الغربيين . إذ أن هذه الانظمة حاولت أولاً إلغاء حاكمية الله سبحانه . و من ثم زعمت أن الثروة و المال هو كل شيىء في حياة الانسان . و عليه فأن الحياة ليست أكثر من أيام معدودة في هذه الدنيا . و لكن إذا ما عاد الشاب الى القرآن سوف يدرك بأن ذلك ليس أكثر من تصور خاطىء روجت له العلمانية و فرضته عليه .

و يتابع آية الله الاراكي : ثمة موضوع آخر يتضح من خلال الرجوع الى القرآن و هو طبيعة الخدمة التي اسداها الانبياء للبشرية ، و أن القيم المعنوية الماثلة في المجتمع الانساني المعاصر ، إنما هي وليدة تربية الانبياء ، و سوف يدرك الشاب الغربي أن قادة المجتمع الغربي المعاصر يحاولون إبعاد المجتمع عن هذه التعاليم بمختلف الوسائل .

و يخلص الامين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية للقول : أن الرسالة التي تقع على عاتق الفلاسفة و المفكرين في التحرك الديني الجديد ، تتمحور اولاً حول الاهتمام بهذه المبادىء و الاصول البديهية و العامة ، لأن هذه الاصول ربما لم تتمكن من الوصول الى اسماع جيل الشباب الغربي حيناً ، أو أن تصل اليهم بصورة ناقصة و مشوهة نتيجة التحريف و الاعلام المغرض . و ثانياً ، الاهتمام برسالة الانبياء و دورهم في تاريخ البشرية . ذلك ان من جملة ما تسعى اليه الرأسمالية المعاصرة هو إبعاد الجيل الشاب عن الانبياء و رسالاتهم . و لهذا نرى أنها لا تكف عن الاساءة الى الرسول الاكرم و بقية الانبياء ، و تصرّ على ذلك من أجل ابعاد جيل الشباب عن الانبياء ، الانبياء الذين يدين اليهم المجتمع الانساني المعاصر إزاء الخير الذي يسود المجتمع . لقد علموا الناس التقوى و الصدق و التضحية و الإيثار . من عانى مثلما عانى الرسول الاكرم و أهل بيته من أجل راحة الانسان و سعادته . أياً من بني الانسان قدّم كل هذه التضحيات من أجل صلاح الانسان و فلاحه ؟ . لابد من لفت انظار الشباب الغربي الى هذه الامور و أمثالها ، حيناً بلغة العلم و المنطق ، و احياناً بلغة الأدب و الفنون .

المصدر : وكالة انباء التقريب