ولم یتمكّن طاعون النسیان أن یلتهم أطراف ذكراها فظلّت شامخةً ترفع فی كلّ الأزمنة لواء الصمود والخلود والذكر الحمید لمحبّی وأتباع أهل البیت(علیهم السلام) فی كلّ أنحاء المعمورة، كما لهم علقةٌ بالسیدة أمّ البنین(رضوان الله علیها) وبالأخصّ أهل العراق، فعلاقتهم خاصة بها ولذلك یندبونها فی كلّ مشكلةٍ ومعضلةٍ تواجههم فی دنیاهم، وبحمد الله تعالى ولما تملكه هذه السیّدة الجلیلة من منزلةٍ عند الله ورسوله وأهل بیته(علیهم الصلاة والسلام) وخاصةً سیدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء(علیها السلام)، فقد قُضیت وحُلّت الكثیر من الحوائج والمعضلات ببركتها، فسیّدتی ومولاتی أمّ البنین لها كراماتها وهی إحدى الوسائل لطلب الحوائج، فلو زارها الإنسان وصلّى عند قبرها ركعات -لا بعنوان الورود- قربةً إلى الله سبحانه وتعالى وأهدى ثوابها لها، لكان مشمولاً بما دلّ من إهداءِ أمثال الصلاة للمؤمنین والمؤمنات، وهكذا عاشت وعطاؤها غیر محدود، ورحلت وعطاؤها لا یُحدّ، وبقیت باباً من أبواب العطاء الوافر، وصوتاً یلبّی رغم المدى النداء، وبلسماً للملمّات والبلاء، ونرى الیوم زائری الإمام الحسین(علیه السلام) فی لیلة الجمعة یتقاطرون من جمیع الأمصار من داخل وخارج العراق، لیقدّموا التعازی والمواساة لفلذة كبدها أبی الفضل العباس(سلام الله علیه) بهذه المناسبة الألیمة.
والسیدةُ أمّ البنین هی فاطمة بنت حزام، بن خالد، بن ربیعة، بن عامر، بن كلاب، بن ربیعة، بن عامر، بن صعصعة الكلابیّة، تنحدر من بیتٍ عریقٍ فی العروبة والشجاعة، قال عنها عقیل بن أبی طالب: لیس فی العرب أشجع من آبائها ولا أفرس، وهی خیر أقرانها حسباً ونسباً.
تزوَّجها الإمام أمیرُ المؤمنین علی بن أبی طالب(علیه السَّلام)، بإشارة من أخیه عقیل بن أبی طالب لكونه عالماً بأخبار العرب وأنسابهم، حیث طلب منه الإمامُ علیّ(علیه السَّلام) أن یختار له امرأةً قد ولدتها الفحولة من العرب لیتزوّجها فتلد له غلاماً فارساً، فاختارها له.
ثمّ واصلت جهادها الإعلامیّ بعد مقتل سید الشهداء ووصول أهل البیت(علیهم السلام) إلى المدینة المنورة، فكانت تخرج كلّ یوم إلى مقبرة البقیع ومعها عبیدالله ابن ولدها العباس، فتندب أبناءها الأربعة أشجى ندبةً، فیجتمع الناس إلیها فیسمعون بكاءها وندبتها ویشاركونها العزاء، كما كانت تقیم مجالس العزاء فی بیتها فتنوح وتبكی على الحسین(علیه السَّلام) وعلى أبنائها الشهداء الأربعة، ولم تزل حالتها هذه حتى التحقت بالرفیق الأعلى.
وذكر المؤرّخون أنّ أمّ البنین(علیها السلام) بعد الفاجعة بفقدان الحسین وأولادها الأربعة، خطّت خمسة قبورٍ (من باب الرمز) فی مقبرة البقیع، تبكی علیهم واستمرّت لوعتها وأحزانها حتى وفاتها.
تُوفّیت هذه السیدة الجلیلة الطاهرة فی الثالث عشر من جمادى الآخرة من سنة (64هـ) فی المدینة المنوّرة، ودُفنت فی الجانب الغربیّ من جنّة البقیع حیث یتوافد الزائرون لزیارة قبرها الطاهر، كان لها مزارٌ كبیر إلّا أنّ أعداء الله ورسوله وأهل بیته(علیهم السلام) قاموا بتهدیم كافة مراقد الصحابة والأولیاء ومن بینها مرقد ومزار السیدة أمّ البنین(علیها السلام) عام (1924م) على وفق فتاوى طائفیة ضالّة.